بسم الله الأزلي الواحد ، خالق السماء والأرض

 

مكتئبين في كل شيءٍ، لكن غير متضايقين، متحيّرين، لكن غير يائسين، مُضطهَدين، لكن غيرَ متروكين، مطروحينَ، لكن غير هالكين،

 (2كو4: 8 و9)

 

أيها الإخوة الأحباء :

     مرّت أرض وادي الرافدين وعلى مر العصور بضيقاتٍ وفتراتٍ مظلمة نتيجة غزوات بربرية متنوعة، تفنن خلالها أعداء هذه الأرض الطيبة في كيفية تدمير معالمها ومكتباتها وإهانة دور العبادة فيها وذبح وتشريدِ رجالها وعلمائها والمدبرين الحكماء الأمناء فيها، بمختلف طوائفهم ونحلهم وانتماءاتهم؛ ولم تكن الغاية وراء كل ذلك إلاّ إطفاء روح النهضة وإيقاف عجلة التقدم والإزدهار لأبناء وادي الرافدين، ونهب خيراتهم التي منحهم اياها الله تعالى في حقلي الطبيعة والعقول، ولم يكن وراء كل تلك الأعمال الإجرامية إلاّ أعداء هذه الأرض الطيبة وأعداء أهلها جميعاً.

     وهذا ما لا يزال يحدث الى اليوم على أرضنا، مؤامرة كبيرة مدبرة لنا من الأعداء والحاقدين والطامعين بخيراتنا،   تنفذ بتخطيط وجدول إجرامي بشع ومدمر، وضعه المتسلطون على رقاب أبناء هذا البلد من الأسياد صنّاع القرار في الخارج الذين يلعبون بعقول عبيدهم في الداخل من الجهلة والمجرمين، والقتلة المأجورين، والخونة لوطنهم وأبناء أمتهم، كي ينفذوا ما رُسم لهم من أعمالٍ إجرامية شنيعة. 

     مشهد ما يجري اليوم من استهداف عوائل الموصل الآمنة الوديعة وارهابها، وهي تهجّر من بيوتها ويقتل أبناؤها وتفجّر بيوتها وتغلق دور عبادتها،  يذكرنا بالأعمال الإجرامية الأخرى والتي حدثت في بداية احتلال بلدنا الجريح حين أحرقت ونهبت ودمرت في بغداد والمحافظات العراقية العزيزة الكثير من المؤسسات الإدارية والوزارات، ودور العلم والمعاهد والجامعات، وكل مقومات البنية التحتية لوطننا الحبيب والجريح، وهجّرت العوائل بمختلف انتماءاتها وبشكل متعمدٍ ومقصود لا يخدم إلاّ أعداء هذا الوطن الغالي، عراق الخير والمحبة، عراق التآخي والأصالة.

     ومشهد دور العبادة المسيحية والإسلامية وهي تفجر وتحرق، يذكرنا تماماً بحادثة إحراق المسجد الأقصى الإجرامية، حينها قام المحتلون بعرقلة مساعي الغيارى المؤمنين لأطفاء الحريق، وتكرر نفس المشهد، حيث قام الذين أحرقوا الكنائس ودمروها بمنع رجال الإطفاء والغيارى المؤمنين من  إخماد الحرائق، بل شجعوا على النهب والسلب أيضاً.

     والأيدي الملطخة بالدماء والتي قامت باغتيال العلماء والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات ورجال الدين من مختلف الديانات، ووجهاء في هذا البلد الآمن، هي نفسها الأيدي التي تعيث فساداً اليوم في الموصل، فتمتد بلا خوف ولا رهبة من الله ولا خجل أخلاقي، إلى العوائل المسالمة والآمنة، وتعتدي على الأبرياء، متجاهلة الله الخالق ووصاياه السماوية.

     وكل ذلك يشير بوضوحٍ لا يقبل الشك أن كل تلك الأعمال مع اختلاف مسمياتها وطرق تنفيذها واستهدافها، ما هي إلاّ أوجه لعملة واحدة صكتها القوى المجرمة التي لا تريد الخير لبلدنا، بل تبغي تدميره ونهب خيراته؛  إنهم أعداء هذا البلد الآمن وأعداء أهله الطيبون الشرفاء الذين ابتلوا بالإحتلال وما أفرزه من إجرام.

     وحين يتأمل المرء ما يجري، يحاول أن يستنتج : ترى من هو الخاسر في كل ما يجري؟ ولمصلحة من تستهدف معالم هذا الوطن العزيز؟  ولمصلحة من تُشرّد العقول العلمية والمثقفون الذين يخدمون هذا البلد المحبوب، ولمصلحة من تجري تصفيتهم؟ ولمصلحة من تستهدف دور العبادة لمختلف الأديان؟  ومن هو الطرف الذي يهمه تدمير هذا البلد بهذا الشكل الشنيع؟

     ونتساءل : هل أن الخاسرين هم المحتلون ؟

     حتماً كلاّ، إذ لا اهتمام للمحتلين إلاً تطبيق ما هو مرسوم مقدماً في السيطرة على المنطقة كلها وخيراتها، حتى إذا كلف ذلك سحق كل شعوب المنطقة وتدمير معالمها.

   

      وهل أن الخاسرين هم أعداء الوطن ؟

      حتماً كلاّ ، إذ أن أولئك يتفننون في طرق إلحاق الأذى بوطننا وشعبنا وغايتهم هي القتل والنهب والتدمير،  وهم بذلك يفرحون ويسعدون حين  تنجح مخططاتهم الإجرامية  في تمزيق الصف الوطني العراقي وجعل أبناء هذا البلد يقتل بعضهم البعض ويعتدي بعضهم على ممتلكات ومعالم الآخر، لتسهل مهمتهم بالنتيجة في سحق الجميع،  نعم سحق جميع أبناء هذا الوطن دون استثناء، وبمختلف دياناتهم وطوائفهم وقومياتهم وانتماءاتهم العقائدية والفكرية، وعندها يصبح هذا الوطن _ لا سمح الله _  لقمة سهلة للأعداء، ينهبون ويسلبون منه ما يشاءون، ويستمتعون بخيراته التي يغتصبونها من أبناء البلد، لأن البلد يكون عندها قد فرغ من العقول العلمية والمخلصين والشرفاء والغيارى والمؤمنين بحقٍّ بالله، الذين بإمكانهم وحدهم بناء الوطن والدفاع عنه وعن ممتلكاته.

     ومن يعتقد أنه باعتدائه على المسيحيين في وطنه يكون قد وجّه ضربةً للمحتلين هو جاهلٌ جداً، ولا يدري ما يجري حوله من مخططاتٍ، بل لا يعي أنه أداةٌ بيد أولئك المتربصين لهذا البلد وهذا الشعب، إذ بواسطته وبواسطة أمثاله من الجهلة والمتخلفين يتم تدمير هذا الوطن شيئاً فشيئاً، وبالتالي سوف يطاله هو أيضاً التدمير، أو يعيش عبداً مذلولاً يخدم أولئك الأسياد، يطعمونه ما يسقط عن موائدهم من فتات بينما يتنعمون هم بخيرات هذا البلد.

     ولنتأمل ماذا يربح أعداء الوطن من التعرض للمسيحيين وغيرهم من الأقليات في هذا البلد؟

     إنهم يربحون الكثير ويطربون ويفرحون لذلك، فهم إضافة إلى نجاحهم إلى حد ما في شق الصف الوطني وزرع الفتنة بين الأديان والطوائف المختلفة المتآخية أصلاً في هذا البلد وفي الموصل بالذات، فهم يستخدمون هذه الأحداث الإجرامية والتي تجري داخل البلد، يستخدمونها إعلامياً بكل ذكاء ووقاحةٍ، ليبرهنوا للعالم أن العراقيين ما هم إلاّ أناس همجيون جهلة، لا ثقافة لديهم ولا وعي، بل كلهم جهلٌ وقتلٌ وذبحٌ وإجرامٌ وخيانةٌ وكراهية بعضهم لبعض ويتصرفون وفق شريعة الغاب فقط، وأنهم _ أي العراقيين _ هم الذين دمروا بلدهم،  بينما يظهر المحتل والمعتدي أنه حمامة سلام جاء لإنقاذ هذا البلد من أيدي " هؤلاء السفاحين" الذين لا يستحقون العيش فيه !!، وعندها سوف ينفّذون كل مآربهم من نهب وسلب لخيرات هذا البلد بينما يسكت العالم _ كل العالم على ما يفعلون، وهكذا يربحون.

     ونعود لنتساءل ! هل من يعتدي على المسيحيين هو وطنيٌّ مخلص لوطنه العراق؟

     الجواب هو حتما كلا ، لأن الإنسان الوطني يحب بلده وشعبه على اختلاف قومياته وأديانه، ويعمل جاهداً وبغيرة متقدة مع بقية أبناء شعبه على النهوض بهذا البلد، وإنعاش اقتصاده، ورفاهية شعبه، ليبقى بلداً عزيزاً كريماً سامياً بين بلدان العالم، وتكون لشعبه مكانته المرموقة وكلمته المسموعة بين الشعوب، وهذا لا يحدث إلاّ بالتكاتف والتعايش والبناء معاً؛ هذا لا يحدث بالقتل والتشريد والتفجير والحرق والسلب لممتلكات ومعالم أبناء الوطن الواحد؛ إذن حتماً من يستهدف المسيحيين ليس وطنياً.

     وهنا لابد أن نؤكد ونذكّر من لا يعلم أو يتجاهل حقيقة راسخة وناصعة، وهي أن المسيحيين بطبعهم وأيمانهم هم مواطنون مخلصون لوطنهم وشعبهم، ومن الطراز الأول؛ فالمسيحي لا يمكن أن يعرف الخيانة أو التجسس أو التعامل مع أعداء وطنه، وإن هو تصرّف هكذا فهو ليس مسيحياً أبداً، فالوطن هو أسمى " قريب " بمفهوم الكتاب المقدس الذي يعلّم الإنسان المؤمن قائلاً : أحب قريبك كنفسك، والمحبة المسيحية هنا هي في أسمى معاني العطاء والبذل للقريب؛  وهكذا، فلا يمكن أن يكون المؤمن المسيحي، ولا يرضى أبداً أن يكون أقل مواطنةً من أي فردٍ آخر في الوطن؛ والمسيحي يدافع عن بلده ضد قوى الإحتلال، ويعمل جاهداً على أن يتخلص الوطن العزيز من كل أشكال الإستعمار، وأن تبقى خيراته له، وأن يهنأ أهله جميعاً بعيش رغيدٍ وسلام دائمٍ وتقدمٍ وازدهار؛ وهذا واضحٌ جداً من خلال الشخصيّات المسيحية والأعلام الكبار من المسيحيين الذين خدموا ويخدمون بكل أمانةٍ وإخلاص، في كل مجالات العمل والخدمة في هذا الوطن العزيز، بل فدوا بدمائهم هذا الوطن ليبقى كريماً عزيزاً وسالماً؛ والمسيحي في كل ذلك يتصرف بحكمة ووداعة، ولا يتسبب بأذى لأي إنسانٍ من أبناء وطنه، لأنهم جميعاً إخوةً له، كلهم  "القريب" في المفهوم المسيحي، وهو يحبهم جميعاً محبةً صادقة نابعة عن أيمانه بالله ووفاءه  للوطن.

     فالمسيحيون في العراق هم جزءٌ لا يتجزأ من أبناء هذا الوطن العزيز، وإخوة لبقية شرائح المجتمع بمختلف أديانه وقومياته، حيث سالت دماءُ الجميع بسخاءٍ واختلطت لتروي تراب هذا الوطن متلاحمةً ومعبّرةً عن وحدة المصير ووحدة الوطن وتماسك العائلة العراقية الواحدة بمختلف أطيافها التي تضفي رونقاً وسمواً في سماء هذا الوطن المفدىّ.   

     ونتساءل ! هل أن من يستهدف المسيحيين هو مسلمٌ متديّن؟

     الجواب هو حتماً كلا ، لا يمكن أن يكون مسلماً أبداً ، أو أنه جاهلٌ لشرائعه الدينية.

     الثقافة الدينية الإسلامية وكما نعرفها تقول :  أن من يؤذي أهل الذمة يكون كمن اعتدى على المسلمين شخصياً ! وأن من أقرب الناس مودة للمسلمين هم أهل الذمة، وأن لا إكراه في الدين، و (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟).

      وحين يكون التعليم الإسلامي بهذا المستوى الرفيع من الأخلاقيات، يصبح التعايش الإسلامي المسيحي قائماً بين أبناء البلد الواحد من مسيحيين ومسلمين، يعيشون بتآخي ومودّة واحترام وعمل مشترك لبناء الوطن وتقدم الأمة، وهذا ما حدث ويحدثُ منذ ظهور الإسلام وحتى هذا اليوم،  فالمسيحيون أبناء هذه البلاد أصلاً، رحّبوا بإخوتهم المسلمين خلال الفتوحات الإسلامية لهذه البلاد، لأن المسلمين يعبدون الله الواحد الذي يعبده المسيحيون قبلهم، إضافة إلى أن الكثير من المسيحيين سكان هذه البلدان أصلاً هم من القبائل العربية التي نزحت من الجزيرة وسكنت الهلال الخصيب قبل الإسلام وبعده، والمسلمون هم أولاد عمومتهم من العرب.

     وبهذا الواقع، يكون لزاماً على المسلم اليوم كواجب ديني ومسؤولية أخلاقية، أن يحمي أخاه المسيحي في هذا الوطن، ويصون حقوقه ويحافظ على ممتلكاته ودور عبادته، ويتعايش معه كأخٍ له، كما توصي به الشرائع الإسلامية؛  وهكذا تصرّف قادة المسلمين ووجهائهم منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا، أما من يعمل خلاف ذلك فهو ليس مسلماً أبدأ، لأنه حتماً يأتمر بمخططات أعداء هذا الوطن وأعداء الله والدين الذين يريدون تمزيق الوطن العزيز بواسطة من يقومون بغسل أدمغتهم والسيطرة على قواهم العقلية من الجهلة والمأجورين الذين يستخدمونهم أداةً رخيصة لتنفيذ مآربهم ومطامعهم.

     وهنا لابد أن نشيد بمواقف إخوتنا المواطنين المسلمين المسالمين الشرفاء من أبناء هذا البلد وهم الكثر، الذين يرفضون هذه الممارسات غير المسؤولة والتي تشوه الدين، إذ عملوا على مقاومة هذا المنكر على الأقل بألسنتهم، وعبّروا عن استنكارهم لهذه التصرفات اللا أخلاقية والبعيدة تماماً عن مبادئ الإسلام السامية، وشعروا بواجبهم الديني والإخلاقي في حماية إخوانهم المواطنين المسيحيين في هذا البلد، لأن بيوت الله وممتلكات المواطنين هي أمانةٌ بيد الأمة كلها، ومطلوبٌ من الأمة كلها بمختلف شرائحها حمايتها والتعهد بعدم التعرض لقدسيتها ومكانتها أمام الله والمجتمع، وهذا ما عهدناه خلال التاريخ، من نصرة الحق وعدم الخوف من لومة لائم في إحقاق الحق والدفاع عن المستضعف.

     ونتساءل : هل أن من اعتدى على المسيحيين في الموصل هو من المقاومة الشريفة ؟

     والجواب : كلا، لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأن المقاومة بحد ذاتها تعني الأيمان والشرف والشجاعة وفداء هذا الوطن بكل غالٍ ونفيس وحتى الدم، بل تعني مقاومة كل من يحاول إيذاء هذا الوطن أو يحاول نهب خيراته؛ ولا يمكن أبداً أن تتصرف المقاومة الشريفة تصرف الجبناء الذين يعتدون على الأبرياء العزل وعلى ممتلكاتهم، ولا يمكن أن تتصرف المقاومة أبداً تصرف الملحدين الذين يتجاهلون الله ويعتدون على عباد الله من العوائل الآمنة الوديعة، ولا يمكن أن تتصرف المقاومة أبداً تصرف من يخون وطنه ويبيع ذاته لأعداء الوطن ويقوم بتنفيذ مآرب الأعداء ويعزز شق الصف الوطني ويدمّر بلده ومجتمعه.

     من جانب آخر فإن الإعتداء على أي من مكونات المجتمع العراقي وقتلهم ونهب خيراتهم وترهيبهم، ما هو إلاً مخطط إجرامي لتشويه سمعة المقاومة الوطنية الشريفة وزعزعة ثقة المواطنين بها، والحطّ من مكانتها بين أبناء الشعب العراقي المحب للحرية والحياة الكريمة، والذي أصبح يشعر بالإحباط والضياع لأن كل تلك الأعمال الإجرامية إنما تجري باسم المقاومة، وهذا مكسب آخر لأعداء هذا الوطن والطامعين بخيراته والمخططين لتدميره.  

     وقد يكون من قام بالإعتداء على المسيحيين الآمنين في الموصل قد فعل ذلك لشعوره أنه ينتقم من المحتلين !!  وهذا هو الجهل بعينه، إذ لا توجد أية علاقةٍ أو رابط بين المحتلين ومسيحييّ هذا البلد المنكوب، لا من قريب ولا من بعيد، والعاقل المتتبع للأحداث يعرف جيداً أن السياسة العالمية ومخططات المتسلطين على الشعوب لا تعرف ديناً ولا يهمها موت أبرياء ولا تعمل بمفهوم  "مخافة الله والضمير الصالح"  الذي يحصر تصرفات المتدينين والشرفاء في كل أنحاء العالم وبمختلف الإنتماءات الدينية والقومية والعرقية، ولنتأمل ببساطة شديدة : هل كانت أسلحة الأعداء الفتاكة والمتطورة التي ضربت وطننا الجريح خلال العقدين الأخيرين تميّز بين مسيحي ومسلم، أو كردي وعربي، أو طفل ومقاتل، أو ذكر وأنثى من أبناء شعبنا؟ .. وبعد الإحتلال، كم من مواطن بريء قتل بآلة الحرب المستخدمة عشوائياً من قبل كل أطراف المأساة؟ .. وهل كان في ذلك فرق بين مسيحي ومسلم؟ .. أَلَم يختلط الدم البريء للمسيحي والمسلم وبقية أديان وقوميات البلد المتعايشة، ليسيل ويروي تراب هذا الوطن الغالي؟ .. والنزيف لا يزال مستمراً كل يوم ‍‍..  لماذا إذن يعتدي البعضُ على الآخرين من أبناء هذا البلد؟ ولماذا نسمحُ بتخريب مجتمعنا الآمن المسالم الوديع ؟ وهل هي رجولةٌ أن يستخدم البعضُ أساليب التدمير والترهيب وبأعذارٍ واهية جداً ضد مجموعة مسالمة من أبناء هذا الوطن، ممّن لا يؤمنون أبداً بالعنف، ولا يقبل أيمانهم إيذاء الآخرين، ولا يعرف قاموسهم أبداً مبادئ الشر أو الإعتداء أو حتى الدفاع عن النفس،  بل كلهم وداعة ومحبة وتسامح،  حيث ثقافتهم الدينية تفرض عليهم أقصى وأسمى مديات المحبة، أعني بها محبة الأعداء؟ .. فأيمانهم يقول : أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، صلوا لأجل المسيئين إليكم..  وهكذا يسلكون ويعيشون..

     أَلَم يشعر بالخجل من يقوم بالإعتداء على إنسانٍ مسالمٍ وديع أو على ممتلكاته؟، اَلَم يشعر بالخجل والخوف من يتطاول على الله ويعتدي على عباده الذين خلقهم؟ أَلَم يشعر بالخجل من يقوم بتخريب بلده ومجتمعه؟ أم أنه فقد كل مقومات الأيمان والمواطنة والإنسانية والضمير، وسلّم إرادته لأعداء هذا الوطن الجريح لينفذوا مآربهم الشريرة بواسطته؟ .. فيعيثوا فساداً بشرائح المجتمع المختلفة،  ثم يلتهموه هو أيضاً بعد أن تصبح الأمور تحت سيطرتهم !!! وليست غريبة علينا الحكمة العربية التي تقول : " إنما أُكلتُ يوم أكل الحصان الأحمر "  لمن يعرف هذا المثل ويعي ما يعنيه.

     أيها الإخوة الأعزاء :

     نقول كلمة أخيرة مختصرة، أنه مهما حصل،  سنبقى نحب العراق وطننا، ونبقى نحبكم جميعاً من الأعماق وبكل أمانة وايمان يا أبناء شعبنا العراقي ويا إخوتنا في السرّاء والضرّاء؛  ورغم الآلام النفسية والمعاناة التي تُحدثها في النفوس التصرفات الطائشة وغير الواعية وغير المسؤولة التي تجري على أرضنا وفي مجتمعنا يومياً وبشكل مرعبٍ ورهيب،  سوف نبقى ودعاءَ ومتسامحين، لا نعرفُ إلاّ المحبة التي علّمنا اياها الإنجيل المقدس، ولا نحقد على أحدٍ أبداً، بل نصلي لمن تورط ويتورط بهكذا تصرفات غريبة على مجتمعنا العراقي، أن ينظر إليه الله بعين الرحمة والعطف، ويغفر له ذنوبه، ويزيل عن عقله كل شرٍّ وحقدٍ وأذى للآخرين من أبناء شعبه، ويخلصه من العبودية لأعداء هذا الوطن العزيز، ويعيده إنساناً سوياً مؤمناً بالله ويسلك بمقتضى شرائع السماء السمحاء، ليخدم وطنه ومجتمعه بكلّ محبة وبمخافة الله الكريم، وليعمل مع بقية إخوانه المواطنين الصالحين الشرفاء بمختلف دياناتهم وقومياتهم، على بناء العراق الآمن المستقر، هذا الوطن الذي لا يستحق أبداً كل هذه الآلام والأذى والدمار الذي أصابه.

     وسيبقى المواطن المسيحي وبأيمان صادق،  يرفض ويستنكر كل ما هو عنفٌ وتدميرٌ وقتلٌ واعتداء على حرية الآخرين، ويدعو دائماً إلى التعقل والحكمة في التصرف، وهذا هو شأن الشرفاء، كي نجنب أبناء شعبنا الأبرياء المآسي والأحزان بسبب ما ينجم عن التطرف الأعمى وبأي اتجاه كان.

     وسوف يبقى المواطن المسيحي، حاله حال بقية إخوته المواطنين من أبناء العراق العزيز، يبقى مواطناً أصيلاً ومخلصاً لتراب هذا الوطن الغالي المفدى ورافضاً لكل أشكال الإحتلال والتسلط ونهب الخيرات وكبت الحريات؛ وسيبقى المؤمن المسيحي رغم كل الضيقات، يعبد الله الواحد الكريم ولا يحيد عن ذلك أبداً مهما كانت التضحيات وصولاً إلى الإستشهاد في سبيل الله؛ ويبقى مجاهداً مخلصاً في بناء صرح هذا الوطن الشامخ، ويبقى عضواً نافعاً وركناً أساساً في هيكلية المجتمع العراقي المتماسك الرصين،  بعونه تعالى وبهمة كل الغيارى المخلصين.

ومهما حصل، فليكن اسم الرب مباركاً دائماً أبداً، آمين.

 

                                                               مواطن مسيحي غيور

                                                                  11 / 10 / 2008م.