بحـــر النسيـــان 

 قصة من قصص الاجداد

بنت السريان سعاد البناء

souadissa2@yahoo.com

 

 14 شبــــــــــــاط 2009

  فوق رابية جلس القرفصاء يُقٌلب صفحات تأريخه الاسوَد وماضيه السحيق ففي كل صفحة إثم وفي كل زاوية جرم حتى وصل به المطاف الى اخر صفحة بين يديه وحصيلتها تسعا وتسعين قتيلا، إنها تقطر دما فقد اقلقته صيحات القتلى الى متى يارب تنتقم لنا؟

   تعرٌت نفسه وانكشفت حقيقة امره وها هو يواجه واقعه المرير ...ضميره يؤنبه سفاح انت يا هذا.
 

  ولكي يتخلص من نداء الضمير إنحدر عن الرابية مسرعا الى حيث لا يدري . لكن اين المهرب ؟.تساؤلات جوابها ليس الا- مجرم انا-  وفي زحمة تخًُبط افكاره لمح دارا يدخله نساء ورجالا عمد على استكشاف الامر  لابدٌ هناك امر  مشين (إنها النفس الاماٌرة بالسوء) دخل وجلس اسوة بالحاضرين لكنه مرهق غطٌ في نوم عميق استفاق  على صوت ذاك المتشح بالسواد ينادي إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت سوداء كالدودي تصير كالصوف وإن تبتم عنها وما عدتم اليها ينساها الرب ويرميها في بحر النسيان.


  ترى وما ادراك ما بحر النسيان؟ بحر لا وجود له في خارطة التاريخ وما سمعنا عنه في دنيانا، أي بحر هذا؟ لن أبقيك تتساءل محتارا عزيزي القاريء.  إن هذا البحر أعدٌه الله لتائبيه حيث يرمي خطاياهم واثامههم ولا يعد يذكرهاإن تابوا فعلا.   تُرى هل  تنسى انت يا صاحبي فعلة صديقك لو تاب اليك؟


  خرج السفٌاح مسرعا فلم يسُغ له الحديث  واسرع الخطى وضميره يلاحقه فكلما  ازدادت قدماه سرعة كلما تعاظمت طرقات تأنيب ضميره.  كان يجري على غير هدى حتى وصل دارا طرق بابها يستجدي شربة ماء وكسرة خبز، ما ان فتح الباب دخل ضيفا معززا مكرما. عندها دقٌ جرس العشاء واجتمع الاخوة حول مصطب خشبي، حضر المتشح بالسواد نهض الجميع للصلاة وبعد البركة تناولوا الطعام قليلا من الباقلاء وفضلات من الخبز اليا بس.


   جلس الاخوة يستمعون والمتشح بالسواد يعضهم قائلا إن كانت خطاياكم كالقرمز  تصير بيضاء كالثلج وإن كانت سوداء كالدودي تصير كالصوف وإن تبتم عنها لا يذكرها الله بل يرميها في بحر النسيان  ليست اعتباطي ما يجري انما تدبير من الرب نهض السفاح قائلا اسمع ياهذا  - القتل -   قتلت تسعا وتسعين اضف الى كل  الموبقات انا فعلتها أإلاهك هذا قادر ان يخلصني مما انا فيه؟ بهدوء قاده رئيس الدير - المتشح بالسواد - الى فناء خارجي  واخذ عصا محروقة بيده وغرسها بالرمل قائلا له متى ما اصبحت هذه العصا شجرة تآوت اليها طيور السماء يكون الله قد غفر إثمك..

  خرج السفاح من الدير يائساَ حاملا بندقيته فهناك طرقات قوية تطرق مسمعه...

  انه فضوليٌُ بطبعه ولابد ان يستكشف ما تكون هذه الطرقات حتى وصل مقبرة دخلها وصوت الطرقات يتصاعد إنه قريب من المصدر والمقبرة كثيفة الاشجار توارى خلف شجرة  ويا لهول ما رأى.. شاب  حفر قبرا واخرج الجثة يخاطبها قائلا: والان  أيستطيع ذووك ان يحرموني منك؟؟ وانكب ٌ فوق الجثة لينتهك حرمتها..!!

  لكن هيهات فالسفاح اطلق الرصاصة المائة قائلاً: بتسع وتسعين هالك، انا ما يضيرني القتيل المئة.. واردى الشاب قتيلا..

  عندها نادى بصوت عالِ يا اله هؤلاء انظر إن كنت  ترضى انت؟

 وجلس ينتظر لا يدري ما يجب ان يفعله وإذا برئيس الدير قادم مع الرهبان بصلوات وصنوج يستكشفون الامر  فقد اصبحت تلك العصا اليابسة شجرة واينعت، وها هي الطيور قد آوت اليها، ان امر جلل قد حدث  ارضى الله عنك ايها الانسان الشقي...  فبعد ان انجلى الموضوع تدبروا دفن الجثتين واتى السفاح الى الدير عاين الشجرة ركع امام رئيس الدير قائلا لا رجعة لي لحياة الدنيا الفانية اقبلني يا ابتاة خادما اعمل لدنياي الباقية.

  وهكذا اصبح السفاح  راهبا بعد ان كان مجرما.

  الحياة فرص هلمٌ واغتنم الفرصة وتب ما دمت على قيد الحياة...

  فليس في القبور من يسبح...

  وليس للموتى فرصة التوبه...

  فلكل قصة عبرة...

  والعبرة لمن اعتبر...



-------------------------------------

---------------------------