عاين
آثار الجروح
الشاعر والأديب
فؤاد زاديكة
14 آذار 2009
وقفتُ
أتأمّلُ وجهَ الربّ
يسوع، ونحن نتابع
رابطا ً يشرح فيه
علماء وأكاديميون
حقيقة قطع القماش
التي لف بواحدة منها
جسد المسيح أثناء
دفنه وفي الثانية ما
يعرف بمنديل الرها
الذي أرسله يسوع مع
أحد تلاميذه إلى
الملك السرياني أبجر
الرها، حيث كان مصابا
بالبرص فسمع عن
المسيح ما يقوم به من
معجزات وأعاجيب فطلب
منه القدوم إليه، لكن
يسوع أرسل كما قلنا
منديله الذي مسح به
وجهه فارتسمت صورة
الوجه عليه وبهذا
المنديل شفي أبجر
الرها ونشر المسيحية
في أرجاء مملكته،
فرأيتُ آثارَ الجراح
التي تركتها حرابُ
إكليل الشوك، الذي
ألبسوا رأسه به.
نظرتُ إلى حيث
الحربةُ التي اخترقتْ
جنبَه، فسالَ منه
الدمُ الطاهرُ
ممزوجاً بماء. دقّقتُ
في كلّ الأماكن التي
صاغتها الجروح رسوما
وأشكالا، فتركتْ على
جسدِه الغضّ ندوباً
تتحدّثُ عن ظلمٍ
وبشاعةٍ وحقدٍ ورغبةٍ
شديدة في
الانتقام....
ليس بمقدور أيّ كائن
مَن كانْ، وهو ينظرُ
بعينه ويُحسُّ بقلبه
إلاّ وأنْ ينتابه
حزنٌ عميقٌ وتسربلُ
أغشيةَ دماغه
تساؤلاتٌ كثيرةٌ قد
لا تجدُ إجابات
لها....
لماذا عومل الربّ
يسوع بكلّ هذه
القسوة؟ ما يظهر على
الجسد من خدوش وبقع
دم واحتقان دماء
وأخاديد وسواقي تجري
فيها دماء زكيّة من
هذا الرجل البارّ،
إنّما تعبّر عن مظهر
سلوكي لا يعرف
الرحمةَ، ولا ينتمي
إلى الجنس البشري.
إنّه عمل إجراميّ
مشينٌ ومهين و
مُذلٌّ وغير قابلٍ
للتصديق ولا
للتبرير. الجسد
يحدّثك كمشاهد عن
معاناة قاسية وعن
معاملة لا تليق ببشر.
إنه
عمل غير معقول. كل
هذه الجراح الظاهرة
لم تكن شيئا يُذكر
أمام أثر الإهانات
والبصق والشتم وغيرها
من أعمال العنف
النفسي وغيرها من
أعمال تحطيم الذات
البشرية، وتدمير كلّ
مقوّمات الشخصية وهذا
بالطبع لا يظهر
جليّاً على الجسد
كأثر مادّي، علماً
أنّه أفظع تأثيراً في
النفس و أثراً عليها.
كلّ هذا
العنف الجسدي والنفسي
والمعنوي الذي تعرّض
له المسيح، فإنّنا
نرى بوضوح علامات
الرضا وإشارات الهدوء
والراحة على وجهه
النبيل. ذلك الوجه
الصبوح الذي لم
تفارقه البسمة وحتى
أنه لم يمتعض ولم
يشتم القتلة ولم
يؤنبهم بل طلب لهم
العفو والمسامحة...
أنظرْ إلى سحنة وجهه
المطمئنة والممتلئة
من نعمة الروح التي
قهرت كل هذا العنف
العظيم الذي تعرض له
جسده البشري....
هل لهذا أي تفسير؟ هل
فكّرتَ عزيزي القارئ
وأنت تتصوّر كل هذا
المشهد التراجيدي
المخيف وكلّ هذه
القسوة التي عومل بها
المسيح وهو باقٍ على
هذه الوداعة، وهذا
الهدوء وكأنّ شيئاً
لم يحدث له؟؟!!
كيف يمكن أن نتصوّر
مخلوقاً يقف بكلّ هذا
الثبات أمام هذا
الجبروت الطاغي؟ لو
لم يكن روح الله لما
كان له أن يتحمّل كلّ
هذه المظالم وهو بريء
دون أيّ اعتراض.
لقد سيق كشاة إلى
الذبح برضاه، لهذا
كان بهذه العظمة وهذا
الجبروت الذي هو
سلطان العليّ. سلّم
نفسه لتُقهر. ساق
جسده إلى الموت ثم
غلب الموت وانتصر
عليه بهذه العظمة
التي تجلّت في هدوئه
وفي طاعته لما جاء من
أجله.
لندع فكرة ألوهيته
جانباً ولننظرْ ونحن
نطرحُ هذا السؤال...
هل
يمكن أن يتحمّلَ بشرٌ
كلّ ذاك الذي تحمّله
المسيح، بهذا القبول
و هذه الطاعة وهذه
البشاشة التي لم
تغادر محياه وهو
يُشتم ويُهان ويُضرب
ويُعَنَّف ويُصلب دون
خوف؟؟؟
لكلّ عاقل أن يتأمّل
هذا المشهد ومن ثمّ
يحكم على هذا الإنسان
لكي يعرف هل هو الله
المتجسد فعلا؟
أعتقد بأنّ الجواب
سيكونُ واضحاً
وجليّاً ومنطوقاً
بدليل كلّ ما تحمّله
من عذاب وموت بعين
الرضا والمحبّة
والتسامح.
فقد قال: اغفر لهم يا
أبتاه، لأنهم لا
يعرفون ماذا
يفعلون...
هو لم يسامحهم فقط بل
سعى إلى إيجاد مبرّر
لفعلهم الشنيع هذا.
المجد لك يا ربي إلى
منتهى الدهور، ففي
حياتك وموتك عظاتٌ
كثيرةٌ ودروسٌ غنيّةٌ
لمن يرغبُ في الحصول
على نعمة نورك
البهيّ... آمين.