الكنى والألقاب لدى المندائيين
مؤيد مكلف
المطلع
على مجريات احداث تاريخنا يعرف بأن اجدادنا المندائيين عاشوا
منذ بداية وجودهم ومنذ ظهور دينهم بحالة انسجام واتفاق تام ..
وكان الرابط الديني هو اقوى رابط وحد ما بين قلوبهم فساروا
بمقتضى تعاليمه وطقوسه وتقاليده الوف السنين وانصهروا في بوتقة
المندائية... وكذلك لا يجد المتصفح اية اشارة الى تقسيمات حدثت
في صفوف المندائيين.
كان الكل
مندائيون قلبا وقالبا.. ولكن ظهر في بعض الدواوين والازهارات (
1 ) اسماء (كنايين) جمع كنيانة او كنية، لها معان وتفاسير، وقد
اطلقت على بعض المندائيين لاسباب نجهلها وفي ظروف لابد
نعرفها.. لكنها، على اية حال لم تكن تميز بين هذا او ذاك. بل
كانت للتعريف فقط ، وليس لتمييز اسرة عن أخرى ، ودون أن تحدث
ثغرات او فجوات بين صفوف الطائفة... واغلب الظن ان هذه (
الكنايين ) قد برزت خلال المسيرة الطويلة.. ويقال ان كان
للمندائيين ستون كنيانة في زمن ما، اي ستون بيتا ثم اندثر عدد
كبير منها وانتهى لأسباب شتى ومن الكنايين التي إندثرت، على
سبيل المثال، الدوداني، توتو، المعيلي، الفرايي، النيروزي،
بهيير، شوكار، فراح، المعيكي، ساكيرا ، دقنانا، وغيرها وبقيت
اسماؤها فقط في هوامش الكنزاربا وغيرها من الكتب الدينية اما
ما تبقى منها الأن فأثنتا عشر كنيانة فقط ، واسماؤها خليط ما
بين اللغة المندائية او كلمات مركبة او صفات او اسماء جدود ،
وهي كما يلي ( ريش دراز ، كومة ، هيوارة ، رستيم ، باصة قاص،
كهيلي، عسكير، جعفور، كطانة، صابوري، عزيز، رام زيوا...) ونعود
فنقول: ان هذه الكنايين ا تشكل حواجزا ما بين المندائيين او
تقسمهم الى عوائل متنافرة متباعدة... انها مجرد تسميات تطلق
للتعريف فقط.. فالكنية هي اللغة العربية هي ما يتكنى به الشخص
من أجل ان يعرف به. ولقد دققت كثيرا في أسماء العوائل
المندائية وسألت رجال ديننا الأفاضل وبحثت في الكتب الدينية
وسلالات الجدود فوجدت ان أسماء (خميس ومندو وزهرون وكلمش وعزيز
وجيزان ودهيس وكحيل وسيف وكيلان وعساكر وبنكان وصابور وعزاز
وفريج وعامر وجعفوري وعثمان ومهنا وسبتي) التي يتكنى بها
المندائيون ما هي إلا أسماء جدود لا أسماء عشائر أو قبائل
وانأغلبها قد ظهر حديثا في فترة قد لا تتجاوز الستة او العشرة
أجيال الماضية.. أما كيف، ولماذا ظهرت هذه الألقاب والكنى
وأسماء الجدود وبرزت للوجود في زماننا فأن لذلك اسبابا عديدة
سنجملها كما يلي:
1- بسبب التحالفات التي برزت في القرنين التاسع عشر والعشرين
بين بعض العوائل المندائية والعشائر في جنوب العراق لغرض
الحماية وحفظ الحقوق.. فكان رئيس العشيرة يسأل المتحالف معه:
أنتم من بيت من؟ فيقول: من بيت فلان.. وينتسب هنا لأحد اجداده
البارزين تبقى هذه الكنية عالقة به. كما أنه في هذه الحالة
يكون ملزما بأطاعة اوامر العشيرة التي حالفها، وخاضعا لما
يترتب عليه من تلك العلاقة، حتى أنه كان يتسمى احيانا بها
وينتسب اليها.
بعد قايم الحكم الوطني عام 1921 بدأ المندائيون بالارتحال الى
المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة وغيرهما ومارسوا مهنتهم
المفضلة (الصياغة) التي اتقنوها عل مر الازمان وقامو بفتح
دكاكين للعمل فيها ، فوجدوا انهم بحاجة الى تعريف أنفسهم
للناس، مع ما يقتضيه ذلك من التنافس بينهم، فكتبوا لافتات على
الابواب ذكروا فيها اسماؤهم والقابهم، فطلعت علينا اسماء:
الصائغ فلان الخميسي وفلان السبتي وفلات الكحيلي وفلان
العزازي.. الخ وهكذا عادوا الى أسماء جدودهم لتعريف انفسهم.
3- بدأت الدولة بعد عام 1930 بمنح الجنسية العراقية وشهادة
الجنسية للمواطنين كما بدأت بتسجيل الأملاك في دوائر الطابو،
وهنا اقتضت الحاجة الى ابتكار القاب الخميسي والمندوي والزهيري
والبنكاني والكيلاني... الخ
4- حين تخرج شباب مندائيون من المدارس في العشرينات
والثلاثينات من القرن الماضي وأصبحوا موظفين في الدولة او حين
تجندوا في الجيش اضطروا الى التفتيش عن القاب لهم فعادوا الى
أسماء جدودهم واتخذوها القاباً.
5- كما ان بعض هذه التسميات كانت اوصافا اطلقها بعض رؤساء
العشائر جزافا على بعض المندائيين فترسخت في النفوس وشاعت على
الالسنة وكأنها تسميات لهم، وهي في حقيقتها قد قيلت لأسباب
محلية يقصد بها الوصف، كما أن اجية بعض المندائيين قد اتخذوا
من مساقط رؤوسهم ومناطق سكناهم القابا لهم مثل (خفاجي) نسبة
الى مدينة الخفاجية و (اهل الحويزة) او (ششترية) نسبة الى
ششتر... الخ
يتبين من هذا، وكما هو معلوم، بأن المندائيين ليسوا عشائر او
قبائل بل طائفة عريقة لها اصالتها وجذورها التأريخية القديمة ،
ولهذا ينبغي علينا، مع أعتزازنا بأسماء جدودنا، الا نظهر تلك
التسميات وكأنها امر واقع او حقيقة لازمة لاننا بمجموعنا صابئة
مندائيون نلتزم بالدين ذاته وبالطقوس والتقاليد ذاتها.. وعلينا
أن ننتبه الى نقطة حساسة الا وهي : عدم زرع هذه التسميات في
أذهان اطفالنا، وهم في عمر الزهور وبراءة الطبيعة ، خاصة وانهم
قد فتحوا أعينهم في المندى والنادي على اسمهم المحبب (صابئة
مندائيون) فينبغي الا نخلق حواجز نفسية في أذهانهم بهذه
التسميات ولا يفوتني هنا ان اقول بأنه بعد عام 1990 من القرن
الماضي ارتأى قادة الطائفة انذاك ايجد هذه التسميات العائلية
لاغراض تنظيمية فقط بعد وضع النظام الداخلي للطائفة واقتضى
الحال انتخاب مجلس عموم لها ضمن تشكيلاتها... اذن فأن قيام هذه
التقسيمات العائلية كان وسيلة وليس غاية وما علينا الا ان
نستظل جميعا بظل طائفتنا الوارف ونحتمي بدوحتها مع اعترافنا
بأن الحاة تسير دائما الى امام.
(1)- الازهارات: شروح يكتبها النساخ توضح زمن الاستنساخ واهم
الاحداث التي تعاصرهم وعن الكتاب الذي استنسخوا منه.
|