يحيى بن زكريا (نبي الحق والدين)
بدر بعيو
معلم الحق والدين نبي الصابئة المندائيين لقد دعي نبينا يحيى
(مبروك اسمه) بكتبنا المقدسة يهيا يهانا (يحيى يوحنا) وفي
الانجيل بأسم يوحنا المعمدان. وفي القرآن بأسم يحيى بن زكريا،
ولقد كتبت عنه سجايا عظيمة شخصت بها شخصيته النورانية وأكدت
هذه الكتب على ولادته العجيبة وما خصه الحي العظيم بالذكر
الحسن، وما كان عليه من تدين وطهارة وزهد وعظمة وسنتوصل في
بحثنا الى ما نرمي اليه في تبيان هذه الحقيقة مستندين على
الكتب السماوية والدينية الثلاثة وسنبدأ بالقرآن الكريم . قال
تعالى (يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل
سميا) (فنادته الملائكة إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من
الله وسيد حصورا ونبيا من الصالحين) وقوله تعالى: (يايحيى خذ
الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيا).
يخبر
الله عن وجود الولد وفق البشارة الالهية بأبيه زكريا عليه
السلام، وان الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في صباه ثم
ذكره الله ببره بوالديه وطاعته لهما أمرا ونهيا وترك عقوقهما
قولا وفعلا (وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا) وقوله تعالى:
(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) ولما لهذه
المواطن الثلاثة اشق ما تكون على ابن آدم، سلم الله على يحيى
في كل موطن منها وتحققت ارداة الله وولد النبي يحيى (مبارك
اسمه) فخصه الله بمواهب عظيمة فمنحه حدة الذكاء وحسن الفهم،
وآتاه الله من صغره بصيرة قادرة على التفقه في الدين ، وآتاه
من نبض رحمته نفسا عطوفا وقلبا حنونا ، وطهره من الرجس والدنس
وجعله تقيا مطيعا لله فلم يرتكب في حياته خطيئة.
وجعله الله
كثير البر والاحسان بوالديه ولم يكن قاسيا متكبرا. بل متواضعا
لين الجانب ، وسلام وامان ان يمسه ضررا او أذى يوم ولادته ويوم
موته ويوم القيامة يبعث حيا . ونعرج هنا لماذا (سمي يحيى)، قال
الحسن ابن الفضل (لان الله احياه بالطاعة حتى لم يتغير ولم يهم
بمعصية ) وقال قتادة بن الفضل وغيره (احيا قلبه بالايمان
والنبوة) وأسند ذلك بالقول ما أخبرني ابن الحسن بن فتحويه
بأسناده عن عكرمة بن العباس قال: قال رسول الله: (ما من احد
يلقي الله عز وجل الا قد هم بخطيئة او عملها الا يحيى بن زكريا
فأنه لم يهم ولم يعمل) . ويروى عن تدينه وزهده ما قاله ابن
العساكر: ( إن ابويه خرجا في طلبه فوجداه عند بحيرة الاردن
فلما اجتمعا به ابكاهما بكاءاً شديدا لما هو فيه من العبادة
والخوف من الله عز وجل). وذكر ابي ادريس الخولاني عن مأكله:
(إن يحيى ابن زكريا كان اطيب الناس طعامه، انما يأكل مع الوحش
كراهة ان يخالط الناس في معيشتهم خوفا من الذنب) وكان يأكل
الجراد والعسل والنبات. وقد ذكر ان الله عز وجل: أمر يحيى ابن
زكريا بخمس كلمات قال يحيى ابن زكريا في الجمع: (ان الله عز
وجل أمرني بخمس كلمات أن اعمل بهن، اولهن ان تعبدوا الله ولا
تشركوا به شيئا، وامركم بالصلاة، وامركم بالصيام، وامركم
بالصدقة، وامركم بذكر الله كثيرا). وتبقى ولادته العجيبة هي
الاخرى تسجل عظمة الحي العظيم بخلقه وإرادته فكان والده زكريا
كبير السن يبلغ من العمر عتيا (99 عاما) ووالدته تبلغ من العمر
(88 عاما) وكانت عاقرا وعندما جاءته البشرى لم يصدق ذلك، قال
ذلك متخبرا لا منكرا، قال: (يارب انى يكون لي غلام وكان امرأتي
عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) استجاب الله دعاء زكريا وارسل
اليه ملائكة تبشره بأن الله تعالى سيهب له ولدا وقد اختار له
اسم (يحيى)، وهذا الاسم خاص به لم يسم به أحد، وستحل به بركة
الله عليه فيكون مؤمنا بكتاب الله وسيدا في قومه يتجنب الشهوات
والأهواء.
أما ما جاء في الكتاب المقدس (الانجيل) وما خصه الله من مكانة
عظيمة ان الحي العظيم امره بتعميد المسيح، وهنا نذكر ما قاله
السيد المسيح لنبينا يحيى بن زكريا عندما ذهب اليه الى اليردنا
(الماء الجاري) ليتعمد على يديه، (يايحيى اصبغني بصباغتك،
وانطق الاسم الذي تذكره علي، فسوف أذكر هذا لك في وثيقة، فأنت
مسؤول عن خطاياك وأنا مسؤول عن خطاياي). وما جاء عن ولادته في
(انجيل لوقا) (وكان زكريا والياصبات صالحين عند الله، يتبعان
جميع احكامه ووصاياه، ولا لوم عليهما، وما كان لهما ولدا، لان
الياصبات عاقرا وكانت هي وزكريا كبيرين في السن، فظهر له
الملاك، فلما رآه زكريا اضطرب وخاف: (فقال له الملاك لا تخف يا
زكريا ان طلبتك قد سمعت وامرآتك ستلد لك إبنا وتسميه يوحنا ،
ويكون له فرح وإبتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته. انه يكون عظيما
امام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن امه يمتلئ من الروح
القدس). ونتابع ما ذكر عن معموديته في هذا النص (انجيل لوقا)
ما يلي: (كانت كلمة الله الى يوحنا ابن زكريا في البرية، فجاء
الى جميع نواحي الاردن يدعو الناس الى معمودية التوبة لتغفر
لهم خطاياهم) ونذكر للأهمية ما جاء عن التعميد من كتاب حياة
وتعاليم ومعجزات السيد المسيح (كان يوحنا يدعو الناس الى
التوبة لينالوا المغفرة، وكان يجري طقسا دينيا يسمى المعمودية
وفيه يغطس التائب في الماء اشارة الى الاغتسال من خطايا الماضي
والموت عن الحياة القديمة وبداية حياة جديدة ومن هذا الطقس
استمد لقب المعمدان ) وهذه شهادتة السيد المسيح بحق نبينا يحيى
(مبارك اسمه) وقد أخذنا النص من انجيل (لوقا): (ولما انصرف
رسولا يوحنا، تحدث يسوع للجموع عن يوحنا فقال: ماذا خرجتم الى
البرية تنظرون؟ اقصبة تهزها الرياح؟ بل ماذا ماذا خرجتم لترون؟
أرجلا لبس الثياب الناعمة؟ ولكن الذين يلبسون الثياب الناعمة
واهل الترف هم في قصور الملوك، أنبيا؟ اقول لكم: نعم: أفضل من
نبي، اقول لكم ما ولدت النساء اعظم من يوحنا المعمدان... ويقول
السيد المسيح: (جاء يوحنا لا يأكل الخبز ولا يشرب الخمر فقلتم
فيه شيطان). . ونؤكد على ما جاء في (انجيل متي) عن شهادة
المسيح بحق النبي يحيى: (الحق اقول لكم لم يقم بين المولودين
من النساء اعظم من يوحنا.... وان اردتم ان تقبلوا فهذا هو
ايليا المزمع ان يأتي ، ومن له اذنان للسمع فليسمع) وفي نص آخر
من (انجيل لوقا) يذكر فيها خصالة وكان يوحنا يقول للجموع الذين
جاءوا ليتعمدوا على يديه: (يا اولاد الافاعي من علمكم ان
تهربوا من الغضب الآتي، اثمروا ثمرا يبرهن على توبتكم ، ولا
تقولوا لانفسكم ، نحن أبناء ابراهيم : اقول لكم كان الله قادرا
ان يجعل من هذه الحجارة أبناءا لابراهيم: ها هي الفأس على اصول
الشجر ، فكل شجرة لا تعطي ثمرا جيدا تقطع وترمى في النار.
وسأله الجمع: وماذا نفعل؟ أجابهم: من كان له ثوبان فليعطي من
لا ثوب له. ومن عنده طعام، فليشارك فيه الاخرين. وجاء جباة
الضرائب ليتعمدوا فقالوا: ماذا نفعل ؟ قال لهم: لا تجمعوا من
الضرائب اكثر مما فرض عليكم. وسأله بعض الجنود: ونحن ماذا
نفعل؟ قال لهم: لا تظلموا احدا ولا تشوا باحد وأقنعوا بأجوركم.
أما ما كتب
عن نبينا في كتبنا الدينية المندائية ، ففي ديوان حران كويثا
يذكر فيه كيف انجبت (انشبي) عن المولود الذي سمي (يهيا يهانا)
نبي ورسول الحق، وكيف نقل الى جبل بروان حرصا على حياته بأمر
من الحي العظيم ، وكيف ثبت الطفل (يهيا يهانا) قرب الشجرة
المرضعة للاطفال، وبعد ان اصبح عمره ثلاثين يوما تم صباغته ،
وعندما اصبح ابن السابعة من العمر تعلم الابجدية المندائية ،
وبعدها اتقن المعرفة الناصورائية . كما ان الليدي دراوور ذكرت
في كتابها الصابئة المندائيون ما نصه (ويشير كتاب حران كويثا
عن يحيى بأنه معلم ومعمد وشافي وجعل الكسيحين يسيرون على
ارجلهم) ونتابع نصا اخر في نفس الديوان (استعمل يهيا يهانا
اليردنا ودواءه الماء وطهر المجذومين، وابرأ العميان، واقام من
كانوا كسيحين ليمشوا على اقدامهم بقدرة النور السامي مسبح اسمه
، منحت له قدرة القول والسمع كما تمنى) ولا يفوتنا ان نعرض
فقرات من النص الخامس عشر من دراشا اد يحيى ، وكيف جاء الكهنة
ليبلغوا الاب الشيخ زكريا بالرؤيا التي جاءت لهم انه سيكون له
ولدا، وكيف كانت ردود فعله فقال لهم: (هل هناك من مات ثم عاش
ثانيا ، حتى تولد انشبي مولدا ؟ هل هناك من اصيب بالعمى ثم
ابصر؟ او كان كسيحا ثم قام حتى تلد انشبي مولدا؟ هل الاخرس
يستطيع ان يكون معلما كي تلد انشبي مولدا ؟ منذ اثنتين وعشرين
سنة لم اقترب من زوجتي؟ فأي مصير ينتظرها وينتظركم اذا ولدت
انشبي؟) وقف جميع الكهنة وتكلموا مع ابا صابا زكريا : ايها
الاب الشيخ زكريا : كن هادئا واثبت في اقوالك فإذا ما خلق
مولود في السماء العالية ووهب لك وانت في شيخوختك، فأن الحي
أراد ذلك، سيولد يهانا، ويقوم بالصباغة في يردنا، سنصطبغ
بصباغته، ونرسم برسمه الطاهر، نعد الخبز، والماء المبارك،
ونصعد معه حيث مكان النور، وتبقى اقواله النورانية التي نعرج
على ذكرها نور تهدينا لمعرفة طريق النور والهدايا الى الحي
العظيم. (بأسم ابي وتسبيحي للخالق صرت كبيرا في الدنيا ،
ابتعدت عن المنكر والاعمال التي لا تجدي نفعا، ما أحببت اكاليل
الورد ولم تغريني النساء، ولم تغضبني النساء، ولم اهوى النقص،
ولم أك من شاربي الخمر، ولا احب التهام اللحوم، ولا أحب ان
ترمقني العيون الحاسدة ، لم انسى تراتيلي ، ولم اغفل يردنا
المقدس، ولم اترك صباغتي ولا الرسم الطاهر) وقال نبينا: (هناك
من هو اكبر من يحاسبني على قدر اعمالي وبقدر اجري ، ومعي
اكليلتي وتسبيحاتي ويرفع اعمالي بهدوء) وقال النبي يحيى: (من
قوة احاديثي وتراتيلي، توقف الماء بالجداول والقنوات، من فيض
احاديثي وتراتيلي سجدت طيور السماء والاسماك، وقالت: طوبى لك
يا يحيى، وطوبى للخالق الذي سجدت له، ابتعدت نقيا ممتلئا
بمعرفة الحياة . يا يحيى لم تستطع النساء ان يسقطنك في كيدهن
ولم يغضبنك بكلامهن، وما استطاعت عطورهن ورياحينهن ان تنسيك
ربك، يا يحيى انك لم تعاقر الخمر، ولم ترتكب فاحشة الضلالة
وجعلت عرشك طاهرا في بيت الكمال). وقد نكون قد حققنا كثيرا من
الامور في بحثنا هذا ، ولا ننسى ان نذكر ما فعله النبي يحيى
(مبارك اسمه) عندما دنا اجله ، وذلك عندما عرف ان الطفل الذي
جاء ليتعمد على يديه لم يكن الا مندا ادهيي جاء ليخرجه من جسده
بناء على امر الحي العظيم، ما هو الا دليل على عمق ايمانه
وطاعته وتدينه (قال مندا اد هيي : يا يحيى .. تقول باركني
بيدك. ان انا وضعتها عليك يا يهانا، فستخرج من جسدك . قال
يهانا لمندا اد هيي: لقد رأيتك انت بالذات، فأي رغبة لي بعدها
في الحياة.. رأيتك وتبعتك وكلمتك وسمعتك.. وها انا اطلب منك يد
كشطا (الحق). فلا تحرمني منك، ومن البلد الذي اتيت. خذني الى
البلد العظيم الذي انت ذاهب اليه.. وليرافقني حنانك، واتقانك.
ساعدني على ان اعرف اسرار الملائكة وثمر النور العظيم وسنادين
الارض واثمارها: والمياه الجارية، وما يدفع بتيارها.. والحرارة
الحية وانتشارها.. والحياة واسرارها.. فمن هي اقدم؟ ومن هي
اعظم؟ سمع مندا ادهيي ما قال يحيى ، فوضع يده عليه. وقف يحيى
وخلع في يردنا ثيابه، ثياب اللحم والدماء وارتدى بدلة الضياء
.. واعتم بعمامة النور ليصعد مع مندا ادهيي الى بلد النور.
اجتعمت الاسماك والطيور، واحاطت بجسد يحيى المهجور. والتفت
يحيى اليه، فعز منظره عليه . فقال مندا ادهيي: يا يهانا، أحزين
انت عليه؟ أتريدني ان اعيدك اليه ؟. قال يهانا : مبارك وممجد
الذي نزع عني ثوب اللحم والدماء، والبسني بدلة الضياء.. وبعث
في السرور، وعممني بعمامة النور! إنما حزنت على اللذين تركتهم
قرب ذاك الجسد، لا يرشدهم احد. قال مندا اد هيي انا اعرف حزنك
من اين جاء.. لقد رأيت فمك ينطق من زبد الماء. قال يهانا.. انت
تعرف ما في القلوب والافكار وتميز ما في الظلمات وما في
الانوار، انك تشطر الشعرة فترى ما في داخلها. مد مندا اد هيي
يده المباركة، فحفن ثلاث، صار الرمل كالبيت غطاء للجسد الميت،
وفي ختام البحث نستذكر كلمات ومواعظ نبينا العظيم معلم الحق
والدين ونتعلم معنى الايمان وثباته ونسترشد بتعاليمه
وارشاداته، ويطلب من الحي العظيم الهدايا والغفران. قال النبي
يحيى.. رأس الايمان ان تؤمن بأن الله مقيم في الفضائل جميعا،
رأس الرجاء ان تتعلم كلام الله وتعلمه، رأس تواضعك ان لا يقع
اسم ربك من فمك ، رأس المحبة ان تشارك اخوتك محبة الله، من
يضاعف صلواته وتسابيحه يضاعف ارباحه عند الله.
المصادر:
1- القرآن الكريم أ-مريم (6) ب-عمران (38) ج- مريم ( 11) د -
مريم ( 13و14)هـ - آل عمران
2- 39 عرائس المجالس ( الثعلبي )
3- مع الانبياء عفيف عبد الفتاح طيارة
4- قصص الانبياء - الامام ابي الفداء اسماعيل ابن كثير
5-انجيل لوقا ( 1و3)
6- حياة وتعاليم ومعجزات السيد المسيح ،دار الثقافة المسيحية
7- انجيل متي ( 2 و 3 )
8- دراشا اد يهيا - ترجمة امين فعيل
9- ديوان حران كويثا ترجمة امين فعيل
10- الصابئة المندائيين - الليدي دراوور
11- الكتاب المقدس (گنزا ربا)
|