ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

المديرية العامة لأوقاف الصابئة المندائيين

مجلة آفاق مندائية - العدد 45 السنة الرابعة عشر - نيسان 2009

 

اتصلوا بنا

أرشيف الاخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

 

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

   كيف صبأت ابنة نبو ختنصر  

 ترجمة نعيم بدوي غضبان الرومي

 

    في يوم من الايام كان المندائيون (1) والناصورائيون (2) والترميذي (3) يسكنون في القدس. وكان للناصورائيين مكانهم الخاص بهم، وهو بناء كانوا فيه يتعبدون ويمارسون طقوسهم ، وكان بناء منعزلا بحيث لا يستطيع أحد أن يطلع عليهم ولا ان يدخل اليهم، وفي أحد الأيام ذهبت ابنة نبوختنصر ملك بابل (وكانت يهودية) الى القدس واستأجرت لها دارا يجاور البناء العائد للناصورائيين، وفتحت الفتاة فتحة في جدار دارها وغطتها بشئ شفاف، بحيث تستطيع ان ترى وتسمع من خلاله ما كان يقال، وما كان يقرأ. وهكذا تعلمت الفتاة العقيدة السرية.


 


   لقد كانت مثقفة غاية الثقافة، سريعة الفهم والادراك، وقد لازمت الفتحة صباحا وظهرا ومساءا مصغية ودارسة ، حتى بلغت درجة في فهم وتعلم ما كانوا يقرأون وعرفت علومهم السرية، وحفظت كتبهم عن ظهر قلب ، وحين كانوا يقرأون في كتاب (الگنز ربه) كانت تسجل وتدون ما كانوا يقرأون الى أن تعلمت وفهمت كل شيء. وقد بقيت الفتاة في القدس تتابع الدرس ولم ترجع الى اهلها. وكان للناصورائيين علم سري يتلونه بتوءدة وبهمس وتصادف ممارسة هذا النوع من العلم اليومين الاول والخامس من ايام الاسبوع (الاحد والخميس). وقد خيل لها انها رأت حين كانوا ينشغلون في هذه التلاوة السرية ان ضياء قد هبط فغشيهم، وهو يغدو ويروح، معطيا وآخذا، بينهم وبين السماء.


    وفي احد الايام الآحاد تخلف احد الناصورائيين في حين خرج الاخرون بعد صلواتهم ليمتعوا انفسهم في الحديقة ، اخذ الرجل ذلك الكتاب السري المحتوي على الطقوس التي كانوا يهمسون بها همسا وشرع يقرأها بصوت عال وكانت الفتاة قريبة منه تصغي اليه فدونت ما سمعت في هذه الطقوس السرية ، كانوا يتخاطبون مع عالم الانوار: مع آدم كسيه (آدم الخفي) في مشوني كشطة، ومع الارواح النورانية . فنحن نقول ان هناك آدمين، (آدم بفرا) اي آدم الطبيعي وآدم الخفي (آدم كسيه) الذي هو في مشوني كشطة (4) وسكان مشوني كشطة نقيون كاملون ولا يراهم الا التقي الكامل . انهم يتحادثون بحرية مع الاثرى والملكى.


    وحين تعلمت الاميرة هذا العلم كانت سعيدة جدا ، ومبتهجة غاية الابتهاج ، وبدأت تراقبهم في اليوم الاول وتفعل ما كانوا يفعلونه الا انهم كانوا يجهلون ما كانت تصنع ،لأنها كانت في مخبئها . وفي اليوم الخامس كذلك قامت بفعل ما كانوا يفعلونه ، وتابعت تلاواتهم بدقة تامة. وكان لها معبد في دارها يشبه مكانهم بكل تفاصيله وقد ابقته مغلقا وخفيا، وهكذا لم يعلم أحد من قومها ما كان يجري هناك وحين كان هذا العمل يحدث، رأت في يوم أحد، نورا يهبط من علي ويسقط على وجهها فسرت وابتهجت وتحدثت الى النور، لا بالالفاظ،  فالنور قد تغلغل في تفكيرها صاحت الفتاة ((سأذهب اليهم في مكانهم ! سأرى العالم الاخر! أريد أن ارى بعيني كلمة!)) قال لها النور ( اذهبي الى الناصورائيين ! وسيدلونك على الطريق).


    وفي اول يوم من ايام العيد ذي الايام الخمسة (بارونايا) نهضت من مكانها وذهبت الى الناصورائيين ، تناولت الكنزاربه وبدأت تقرأ، فأخذتهم الدهشة وقالوا (أتكون هذه الفتاة ناصورائية؟) وأخذوا يتحدثون فيما بينهم قائلين (لابد ان يكون الله هو الذي منحها هذا العلم فمن غيره كان معلمها ؟).


    قالت لهم الاميرة (عمدوني واجعلوني مندائية!) وحين علم اليهود بتحولها هجموا على المندائيين وأحدثوا فتنة وشغبا . وذهب كهان اليهود وشيوخهم وعلماؤهم اليها وتناقشوا معها قائلين (سيحدث من جراء عملك هذا قتل وقتال ، فيجب ان تعودي الى مكانك الخاص وان تتزوجي هناك!).


    قالت لهم الفتاة، (لست مضطرة على فعل ذلك ولا داعي للقتل والقتال بسببي. ولست ابغي زوجا، ولا اريد مالا، ولا نفوذا ولا زواجا. ارغب فقط أن اخدم الله كلية).

 قالوا لها (اتركي الناصورائيين!)
 أجابت (سوف لا اترك الناصورائيين! فليس ليدكم المعرفة التي لديهم).


    كانت هذه الفتاة إبنة نبوختنصر وكان ملكا على بابل، وكان يهوديا. واخيرا ترك مملكته وصار ناصورائيا، فاستولى الاشوريون على المملكة، وطردوا منها البابليين). أجابها الكهان (سنقتلهم جميعا او نتعلم منهم!) قالت لا تكونوا حمقى ! لا تقدرون على قتلهم وتعلم اسرارهم ! فإذا فعلتم ذلك فسيعاقبكم الله!) تجمع اليهود بسلاحهم وارادوا سحبها واخراجها عنوة. قال لهم الناصورائيين (لقد جائت فتاتكم الينا بإرادتها ولم نجبرها على ذلك فخذوها وإذهبوا!!) ولكن الاميرة لم توافق على الذهاب مع اليهود حين حاولوا اجبارها بدأت تقرأ العقيدة السرية ، فكانوا كلما اقتربوا منها تضيق أنفاسهم بوسائل مجهولة فبدأوا يخافون وحاول بعضهم الفتك بالمندائيين، نهض الناصورائيون وبالقوة التي لهم في يوم الاحد تحدثوا الى الارواح (الملكى) الذين قالوا لهم (اذهبوا الى جبل المندائي). استعد كثير من الناصورائيين والمندائيين ، بعد ان كانوا قد هيأوا أنفسهم للرحيل بقيادة الناصورائيين، قد منحوا من القوة بحيث كانت مسيرتهم في يوم واحد تعادل مسيرة اربعين يوما . وكانوا في كل يوم يبذرون الذرة التي كانت تنمو وتحصد بقدرة الله ولهذا لم يعرفوا الجوع.  وسافروا اربعين يوما وكل يوم باربعين يوما الى أن وصلوا بسهولة وسرعة الى جبل المندائيين حيث كانوا سعداء وآمنين ومستمتعين بذلك الجو اللطيف، لقد كانوا قادرين على اداء صلواتهم وعلى العيش بلا قلق، وكانوا يقولون (لقد انقذنا الله من اولئك القوم).


    وتبعهم بعض الهود وحين قطعوا في رحلتهم اربعين يوما رأوا الذرة الخضراء وعلامات مخيم النار فقالوا الآن سنقبض عليهم، وسنلحق بهم! لابد ان يكونوا قريبين من هنا، الا أنهم لم يلحقوا بهم. واخيرا وبعد أيام كثيرة اقترب اليهود من جبل المندائي حيث كان المندائيون يعيشون ومعهم ابنة ملك بابل التي صنعت لنفسها مكانا تقدر ان تتعبد فيه كالناصورائيين . وحين كان اليهود على مقربة من الجبل نزل ضوء كالسيف من العلي واعترض سبيلهم فكان كل ما تقدم واحد منهم قضى نحبه . تشاور الكهان فيما بينهم وقالوا (لا مفر لنا ، يجب ان نعود) وهكذا عادوا الى بلادهم حزينين مكسوفين . وقد بقي بعض الناصورائيين في القدس ولم يسافروا مع الأخرين فجاء اليهود والقوا عليهم القبض. قال لهم الناصورائيون (ماذا تريدون؟) اجاب اليهود، نريد ان نعرف علمكم السري. علمونا وسوف لن نقتلكم، اجاب الناصورائيون (ليس لدينا علم سري).


    قال اليهود (علمونا أليس ذلك خيرا من الموت). اجاب الناصورائيون (لا يوجد لدينا علم سري فكيف نعلمكم وليس لنا اي علم سري) قتل اليهود واحدا من الناصورائيين ثم ثانيا ، وكانوا يرددون دائما (علمونا معنى عقيدتكم او ستموتون جميعا كهؤلاء).
 الا ان الناصورائيين استمروا على الرفض قائلين اقتلونا ان شئتم فليس لدينا اي علم سري).


    قتل اليهود الناصورائيين جميعا ولم يتعلموا شيئا من علمهم. بعد ذلك ذهب اليهود الى هيكلهم في القدس واجتمعوا هناك . وكانت قلوبهم وجلة وهم يعلمون بأنهم قد قتلوا اولئك الناس خطأ . وفي الصباح رأوا طائر ابيض يحوم فوق الهيكل، نظر الجميع الى الطائر وحين كانوا ينظرون نزلت نار من السماء فاحرقت جميع اولئك الذين اوقعوا بالناصورائيين وقتلوهم، وفر الباقون من اليهود الى الصحراء وهم في هلع عظيم وكانت النار شديدة بحيث نفذت الى عمق اثني عشر فرسخا في الارض.


    هرب بعض اليهود الى ان وصلوا بابل. قال الملك نبوتخنصر للربيين والكوهينين. ( لماذا فعلتم ذلك ؟ لماذا قتلتم اولئك الناس بلا حق؟) أجابوا لقد كانت الفتاة ابنتك وما كان غضبنا الا من اجلك ، قال لهم ( هل ذهبت ابنتي لانها قد احبت رجلا منهم ؟) فأجابوه بالنفي. فسأله (ماذا كانت غايتها اذن، ولماذا ذهبت معهم؟) قالوا، لدى الناصورائيين عقيدة سرية وهذا كان السبب، اجاب الملك (انا نفسي واتباعي سنلحق بهم ايضا. غادر الملك وحكماء مملكته المملكة وذهبوا الى جبل المندائيين. بعد ذلك التحق هو وحكماء قومه بالصابئيين واصبحوا مندائيين وتعلم الملك العقيدة السرية من ابنته. ومن ذلك الوقت ولسلوكهم الشرير لم يملك اي ملك يهودي (كلداني) في بابل.
ان من يريد الله ان يعلمه يمكنه من تعلم عقيدته مهما كانت سرية.


 
ملاحظات حول القصة:

 1- الكلدانيون: اليهود والكلدانيون كلاهما يسميان بـ (يوهطايي) في المخطوطات المندائية، فهم لهذا يعتبرون شعبا واحد بالنسبة للمندائيين وفي كتاب (الابوكريفال) ليهوذا (حيث يقول اخيور لهولو فرنيس)، هؤلاء الناس منحدرون من الكلدانيين، وجوزيفوس يكتب مثل هذا في (ضد ابيون) مجلده ص 185 يقول (ان اسلافنا الاوائل كانوا كلدانيين وهم يذكروننا بأسم يهودا في مدوناتهم للعلاقة بيننا) وصورة عامة فأن نبوختنصر يطلق عليه (يوهطايي) فالعنصر لا الدين كان هو الدليل، وهناك انشودة انكليزية تقول (نبوختنصر ملك اليهود، باع زوجته بزوج من احذية من الجلود).

 2- ان الصلاة المهموسة في (باج) هي خاصية عظمى في الطقوس الزردشتية...
 3- اليومان كلاهما مخصصان للارواح النوارنية ، فيوم الاحد هو يوم (شامش) ويوم الخميس هو يوم (بيل).

 4- برونايا - الايام الكبيسة الخمسة ، وهي عيد الموتى حيث تقام المعموديات وتؤكل الوجبات على أرواح الموتى.

 5- او الماداي (مد اي) . يتحدث كتاب (حران گويثا) عن هذا بوصفه (حران الداخلية).

 6- النسر الابيض هو عادة رمز (هيبل زيوا) (النسر الابيض لدى المندائيين يمثل الاش اثرا لا هيبل زيوا - المترجمان) .
 

  فكرة عامة
    ان هذه الاسطورة ممتعة لانها تربط قسم مريم في كتاب (دراشة اديهيا) بقسم اخر عن مريم في كتاب الصلوات اليومية الاسبوعية وقصة الناس في جبل مد اي في كتاب حران كويثا ، ان العبارات في ( دراشة اديهيا ) تحكى بصيغة الشخص المتكلم. فمريم تتحدث عن قصة تحولها (بواسطة اختها الروحية في مشوني كشطة) وعن هربها الى الفرات الادنى ، وتبدأ هكذا ( انا مريم ابنة ملوك بابل، وابنة حاكم القدس القوي، ليوهطايي (الكلدان واليهود) (انظر الملاحظات السابقة) ولدوني والكهان ربوني وليس هناك ذكر لبختنصر . وتقص مريم كيف ان والديها منعاها من مغادرة مجلها في غرفتها أو من الخروج الى الطرق العامة، ولكنها تعصي امرهم ( لقد فتحت الباب الداخلية وتركت الباب الخارجية مفتوحة على مصراعيها . خرجت الى الطريق العام ، فسقطت فوقي، شموس ربي. اردت ان اذهب الى الهيكل (بيت أمه) الا ان قدماي قاداني الى (بيت مشخته)، (اي بيت العبادة للمندائيين). دخلت الى هناك فوجدت اخوتي واخواتي جالسين يتلقون الدروس (دارش دارشي) وغلبها النعاس ونامت وهي تصغي الى اصواتهم ولكن اتت لي اختي من مشوني كشطة، وايقضتني وقالت لي (انهضي، انهضي يا مريم! قبل ان يبزع الصباح ويصيح ديك الفجر، قبل ان ترسل الشمس اشعتها فوق العالم، قبل ان يذهب الكهان واولاد الكهان ويقبعوا في ظلال خرائب القدس وقبل ان يأتي ابوك الدنيوي وينزل على رأسك الكارثة). يكتشف ابوها امرها ويتهمها بالسلوك السيء. فتطلب اليه ان يتركها وشأنها. ويتهمها بنبذ اليهودية وخروجها عن محبة ربها ، الا ان مريم ترفض ان تشجب عقيدتها الجديدة ، بل انها تشتم اليهودية والكهان. وتنقلب القصة هنا الى رموز ، فمريم تشبه بكرمة تحمي الطيور من العاصفة ، وتوجد إشارة ولكن ليس وصفا ، لفرار مريم الى الفرات الادنى ، وعلم يرفرف فوق رأسها وكتاب موضوع في حجرها. " تقرأ في كتاب الكشطة فيهز العوالم بأجمعها. في يدها صولجان الماء الحي " (مركنة) ويحيط بخصرها الزنار (هميانة)، تصلي وتتسجد وليس لها من رغبة لان تحط وتغفو، انها تستروح عطر وجودها وتنسى العالم. وتدعوها أمها مشوقة اياها بمسقط رأسها مذكرة اياها، كم كانت مشرقة في القدس وتطلب اليها (انسي هذا الرجل الذي اسرك وخرج بك) وترفض مريم، بأزدراء انها تتبع عشيقا. ويأتي نسر أبيض ويرمي كهان اليهود في الفرات ويعود ليوقع الخراب والنار على القدس . بعد ذلك يطير عائدا الى مريم، يلاطفها فتتعرف فيه انه احد الاثرى. هنا ينتهي هذا الجزء. يستنتج ليذر بارسكي من هذا الجزء بأن هذه الطائفة كانت في يوم ما قد طردت من القدس وسيقت الى بابل الجنوبية، وليس في كتاب حران گويثا اي شيء مما جاء في جزء مريم الا انه يصف اضطهاد قوم جبل مد اي وكيف تبعهم العدو وذبحهم، ونجاة الباقين. ان الشيء الوحيد الثابت في جميع هذه المتناقضات المشوشة هي حقيقة كون المندائيين يعتبرون جبل مد اي موطنهم الحقيقي وان جنوب بابل محل لجوئهم وان القدس لم تكن مركزهم الأصلي. ان الصلة بنبوختنصر قريبة، ولكنها ليست بدون فائدة. يظهر في كتاب (دانيال) انه في بلاط الملك الفارسي كانت جماعة معينة من اليهود وكانوا نباتيين، وبعقائد ليست بعيدة عن عقائد الايسينين. هنا تأخذ قصة نبوختنصر أهميتها والقصة التي تحكى لنا نباتية نبوختنصر (يأكل حشائش الحقول) ان الجنون والسير على اربع يظهر بما يشبه تفسير الكهان الأرتودوكس - ومن الممكن ايضا انه في يوم ما يمكن أن بختنصر قد مال الى العقائد الايرانية، وانه عاد أخيرا الى عقيدة الدولة الاساسية (دانيال ( 4 ) 33-36) ان نفوذ زوجته الميدية يمكن أن يكون قد أثر في انحرافه هذا.