الأنفجار العاطفي لا يقتل أحدا ً

بقلم : د. لبنى الجادري

 

  الأنفجار العاطفي.. ويقصد به كمية المشاعر المنبثقة من أعماق النفس التي لها من القوة والشدة بما يؤثر على الشخص المنفجر عاطفياً، وكذلك المتلقي بنفس القوة يفقد فيها الشخص السيطرة على مشاعره وسلوكه.


  يصاب الأفراد على إختلاف أمزجتهم وتقلبهم للأمور في بعض الاحيان، بما يسمى بالأنفجار العاطفي، حيث تنشأ قوته من قوة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التى يتعرض لها الفرد في حياته اليومية ، وتختلف الدوافع للأنفجار العاطفي بين فئات الناس المختلفة ، فنجد أن الأنفجار العاطفي لدى الاطفال يتوقف حصوله على الشئ الذي يريده الطفل ، إذ أن حاجته للأنفجار حاجة وقتية ، فمثلا ، ينفجر الطفل باكيا ً حينما يرى أمه تعود من عملها، بينما لم يحرك ساكنا ً طوال فترة غيابها بعيدا ً عن المنزل، إن مثل هذا السلوك المعبّر ، هو سلوك طبيعي، إذ تعتبر الأم الملاذ الآمن للطفل، خاصة في سنين حياته الأولى لما توفره من حب ورعاية وتلبية للحاجات الطبيعية والنفسية. و حين تذهب الأم بعيدا ً عنه لفترة نجده يكبت مشاعره ويتحدد في تصرفاته، يسمع ويأتمر لأوامر الكبار المعيلين له في غياب أمه حتى عودتها، فنجده يتمرد عليهم ويبكي ويضرب الارض بقدميه، وقد يضرب أمه رفضا ً منه لغيابها وحرمانه منها، ولو لفترة وجيزة. إن هذا الشعور بالفراغ العاطفي قد يصبح فيما بعد بؤرة لتراكم الأضطرابات النفسية المختلفة التى نجدها غالبا ً ما تظهر بين الأطفال الذين تتركهم أمهاتهم لفترة ما، في الحضانة مثلا ً أكثر من الأطفال الذين يتربون في أحضان أمهاتهم.


  وقد تنتشر هذه العادة النفسية لتشمل الفئات العمرية الأكبر، فنجدها بين المراهقين، وخاصة الذكور منهم، كأداة للتعبير عن رفضهم للطاعة الجبرية للكبار التى دامت فترة الطفولة بأسرها.


  وحيثما يدخل الصبي مرحلة المراهقة، يجد نفسه أمام تغيرات بايولوجية متنوعة، إبتداءً من المظهر الخارجي وحتى التركيب الداخلي، تدفعه قوة التغيير الى الأعتراض والصراخ، فيجد نفسه كمن يصرخ في حضور الطرشان، ظنا ً منه بعدم وجود من يسمعه أو يعيره الأنتباه، فيعبر عن أفكاره وآرائه بمشاعر جياشة عارمة في حالات الفرح والحزن على حد سواء.


  وتكمن خطورة الأنفجار العاطفي عند الاطفال، بتحوله من عادة يستعملها الطفل كأداة للضغط على والديه ، الى سلوك ٍ يتبناه ، وعادة ٍ يتطبع بها أجتماعيا، ويعتبرها وسيلة ناجحة للتأثير على الغير في حياته المستقبلية، فضلا ً عن إستخدام هذه الأداة في تحطيم ذاته، إذ تتعطل هذه الذات وتكبح لديها مشاعر المنافسة والأندفاع لتحقيق مبتغاها بالطرق السلمية الواضحة السوية.


  إن واجبنا كأمهات وآباء يكمن في التوجيه الصحيح لأمتصاص هذا الانفجار الذي قد يتحول الى كارثة، إذا لم نستطع أن نتعامل معه في الوقت المناسب، فعلى الوالدين أن يتركا فسحة من الوقت لرعاية الاولاد، وترك مجال كاف ٍ لهم للتعبير عما يجول في خواطرهم وأفكارهم وقلوبهم الهائجة الصغيرة، ومحاولة تفهم وجهات نظرهم تجاه الأمور المختلفة، مع التأكيد على الحدود التي يتوقف عندها المُثار نفسيا ً ومحاولة عدم تجاوزها، والعمل على منح الثقة للأبناء في طلب المساعدة من الوالدين في حالة اليأس من إيجاد الحلول المناسبة لأي موقف قد يتعرضون له في مسيرة الحياة الطويلة.