أوجاع
السنين.. والأماني
ياسين الناشيء
يفتح عينيه على عتمة الغرفة.. يشعر انه ملتصق بالسرير.. يتثاءب
مرات ثم يعتمد جناح السرير ينهض متوكلاً على الله وكل القديسين
متوجه الى الحمام.. يقلق الباب فتحس زوجته رفيقة عمره وشريكته
في رحلة الحياة بأفراحها واحزانها.. تنهض الى المطبخ لتهيأ
الفطور.. القى عليها تحية الصباح .. ثم تناول فطوره معها قال..
الان يا ام زياد سأخرج الى المصرف.. فاليوم هو موعد صرف راتبي
التقاعدي.. واشعر اليوم ان صحتي ليست على ما يرام.. لكن تهديد
موظف صرف الرواتب بوجوب الحضور في اليوم المحدد سيسقط الحق في
الاستلام.. هذا هو السبب الذي يدفعني الى الذهاب اليوم وليس
غداً.. خرج من الباب ودعاء زوجته له بالصحة والسلامة يلاحقه
حتى البوابة الخارجية.. وبمساعدة الساق الثالثة استطاع ان يعبر
الشارع الى الجهة الثانية .. حيث موقف السيارات الذاهبة الى
باب المعظم.. ومرت دقائق لم تأت اية سيارة.. قال يكلم نفسه..
أنها المتريس التي تطرز الشوارع.. ومراكز التفتيش الناثرة على
طول الشارع.. انها حالة فرضتها الحالة الامنية المتداعية في
مدينتي بغداد.. انها احدى تداعيات الارهاب المدان..
أصبح لا يقوى على الوقوف اكثر .. شعر بساقيه ترتجفان .. وبقذائف شعاع الشمس
المحرقة يكوي جسده .. وتصيب العرق .. يسح على وجهه ورقبته
وينحدر نحو صدره مهيجاً اعصابه الضعيفة.. تآفف وقرر ان يأخذ
تاكسياً.. ارتفعت يده العرورقة لسيارة قادمة وقفت.. سأل
سائقها..
رجاء.. باب المعظم..
تفضل عمي.. كم تطلب..
سبعة الاف دينار..
ممكن خمسة الاف..
عمي .. الازدحام لا يطاق.. والبانزين نأخذه من السوق السوداء
بأضعاف سعره (والله ما يصرف)..
توكل على سيد المتوكلين.. وفتح باب السيارة ودلف الى داخلها.. أنطلقت.. ولسن
حاله يقول.. اللهم اكفنا شر المفخخات والعبوات الناسفة وتحجر
الضمير.. وغطرسة الحاكم.. وجهل الحاقدين.. وعاد يفكر بأجرة
التاكسي سبعة الاف دينار.. كان الانسان قبل سنوات يشتري بها
قصراً وسيارة.. لكن ماذا لو اضطر ابنه او ابنته او زوجته الى
تأجير تاكسي في خروجهم الى مدارسهم او قضاء بعض الاعمال.. هل
يكفي راتب متقاعد (300000) ثلاثمئة الف دينار اجور السيارات
والتاكسيات .. واسعار المواد الغذائية في تصاعد مستمر.. ان
الغلاء ارهاب آخر يهدد جماهير غفيرة من الناس وهوارهاب لا
اخلاقي.. ليس عنده غير الربح هدف..
يوم امس كان في عيادة طبيب الاسنان دفعه اليها وجع احد اسنانه.. فحصه وقال..
تحتاج الى حشوة جذر.. وسأل الطبيب عن الاجور.. مائة الف
دينار.. !! صعقة حسامة المبلغ.. وما حيلة المضطر الا ركوب
المصاعب.. ان الانسان في بلدنا عياب المحيط وحيداً.. سمع صوت
زميل له يقف منتظراً.. رجاء ابني ارحموا حالنا.. ودعونا ندخل..
فالساقان لم يتحملان اكثر.. لكن صوته ضاع مع ضجيج السيارات
وثرثرة المنتظرين.. ولكل شئ نهاية.. استلم راتبه وهو ينقله من
يد الى يد.. ونزل الدرجات وهو يتحسس طريقه في كل خطوة نحو
الخارج.. استقبلته زوجه.. دخل الحمام.. صب على نفسه ماءً..
انتعش فيه بعص الحيوية..
مد يده بالراتب الى زوجه قائلاً: هذا راتبكم استلمته ووزعيه كيفما شئت ان
توزعيه... !! ودلف الى غرفته.. تمدد.. اخذه التعب فراح في
اغفاءة وكانت احلامه تطفو على متن اجنحة نوارس لغير المحيط.
|