قلعة صالح - شمس وريح ونهر ونخيل

عبدالله الداخل

 قيل لأطفالٍ بقلعةِ صالح ٍ
أن فيصلَ الثاني سيأتي لرؤيتِهمْ
فمر غلامٌ بحلةٍ سوداءَ في
قراءتِهمْ واقفاً، يَشْخَصُ في البعيد
قراءتِهمْ واقفاً، يَشْخَصُ في البعيد
كأنَّ إبهامه اليسرى تشير الى النشيد
"عِشْ غانما ً عِشْ سالماً
بوجهِكَ الوضّاحْ
لمّا يأتي دجلة ُ قلعة َصالح
يَضلُّ الطريقَ أحيانا
يُحبُّ الرّزَّ كثيرا ً
فقبلَ مجيئهِ
يتجولُ في شمس ِالأهوارْ
تخدعُهُ المنحدراتُ وبعضُ سَواق ٍ
قنواتُ الريِّ تـُغريه فتهبـِطـُ منه صغارْ
تـُشَمِّمُ لاهثة ً بمَـشاراتِ خِيارْ
تأتي لشِـباكِ فـُطورْ تذوبُ في عطش ِالبذورْ
تنزلُ كل انحدارْ
بغرغرة الرضيع
تتلوى، تبحثُ عن جذورْ
فتنحني كـُتـَيْلاتُ تراب تنحني
تنحني
وترتمي في الحُضْن ِأخيرا ً
ويمتلئُ الأثيرْ
بعِطـْرِ نـُقوع ْ
وتـَرى سُحَيْباتِ غبارْ
تـُحوِّمُ فوقَ الساقيه
وفي الماءِ تموع .ْ هنا، حيث يضيقُ دجلة
تتسعُ القلوبْ
فالريحُ إذ تأتي في الغروبْ "بمُهَيْـلةٍ "
أو اثنتين، تمرُّ ببستان ِحَبيبْ وبالغربـيّة
وتمضي للسوق ِوصوبَ التلِّ الى المَجْريّة
وفي غابات النخل ِعلى الضّفة
تـَهُزُّ نُخَيْلاتٌ في البُعْد سُعَيْـفاتٍ
منها ذ ُرَيْعاتٍ تـُفـْتـَحُ للأحبابْ
وتهزُّ العيطاتُ جميعا ً في الريح
أرؤسَها بالإيجابْ
وتمرُّ بأوراق اليوكالبتوس
بالعصافير باشجار المستوصف
وبحقل ِخيارٍ قربَ المندي كانتٌ ريحٌ
في صدر ِامرأةٍ أنهكها السَّيْرُ
من سوق ِالقلعةِ والمَعْبَر
حتى غابةِ نخلٍ أخرى
هناك بناتُ آوى ترصّدتِ الضَّعْفَ
في الليل بين محطة النفط واللطلاطة
وبين غابةِ النـَّخْـلِ
وقريةِ الطين مسافاتُ فضاء
وتسيرُ نساءٌ بعباءاتٍ حتى الجُّرْف
وتنحني للماءِ حلفاءٌ وبَرْدِيّاتٌ خُضْرٌ
وبعضُ غَرَبْ وتمُدُّ غُصَيْناتُ الصَّـفصافْ
أنفسَها نحو "الخورة" وكان قبرٌ تحرسُه
أشواكٌ وتـَلاطـُمُ الماءِ "الدِّهْـلة
يُـثـَقـّبُ هذا الجُّرْفَ العالي
يُسْـقِطُ في أهلـّةِ الماءِ شظايا طين ٍعالية ً
وبعضا ًمن أقمارِ الكون
وتنحني السماءُ : هناك أمواتٌ طيّبون
يفصُلُ الناسَ عنهُمُ بابانْ
بينهما الحُمّى وكثيرٌ من اللوعات
تـَبْعُدُ المسافاتُ في الرأس ِوتـَهْوي الذكريات
تأتي الوجوهُ من صوبِ الشمس
وسُعَيْـفاتٍ شاحبةٍ في هاماتِ النخل
فتـَحْضُنُ طـَلـْعا ًمن سُكـَّر
ويأوي الأطفالُ "لسوباطٍ" أو لبساتينْ
لحليبِ التين ويلهث أطفالٌ
في الشمس لدوّاماتِ الخَوْفْ
فأفواهُ الدُّوّاماتِ واسعة ٌ تفتحُ أبواب
فيحتضِنُ الماءُ رؤوسا ً
حَنـَّـتـْها الشمسُ وشقــَّّرَها الصَّيفْ
تـَظـَلُّ الريحُ بقلعةِ صالح
حتى بعدَ شواهدِ مرمرْْ
وليس في اللطلاطةِ شاهدة ٌ
ليس غيرُ تـُليْلاتِ تراب
والريحُ حية ٌفي الأرض وفي فجر القيظ
وفي الماءِ وفي السَّبْخةِ و"العاكَول" وفي الخرنوب
ولولا الماءُ والريحُ والتينْ
لولا البساتينْ ما كان حنينٌ
ولولا الحنينُ ما كان وطن