عـنــــدما يكون منطق الحوار هـو صوت العقل

رمزيه عبدالله فندي

 

  تفشى الخصام بين أبناء البشر منذ زمن بعيد توسع واستمر ودخل اطار الحروب والاقتتال وسفك الدماء والعداوة المستمرة ، ولازال مستمراً ليومنا هذا برغم من التقدم العلمي والتكنلوجي ، بل على العكس اصبحت حروب اليوم اكثر خطورة وكارثي بعد التطور التكنيكي والتكنلوجي لآلت الحرب والقتال.

  ان الاسباب المؤدية لهذا التخاصم كثيرة ومتنوعة اذ توصل المراقبون والباحثون الاكاديميون المتخصصون في هذا المجال من مؤرخين وسايكلوجيين وروحانيين ورجال دين الى نتيجة واحدة وهو ان السبب الرئيسي يعود الى أقامة الحواجز والتباعد بين شرائح المجتمع البشري ، الذي انعكس سلبياً على تقبل الاخر و فهم ايدلوجيته في الحياة مما ساعد بانبثاق الانانية وهي مصدر من مصادر الخصام التي احدثة شقا في علاقة ونفسية الانسان بأخيه الانسان حيث قال الكاتب والاديب عباس محمود العقاد في كتاباته عن الخصام وانواعه (( التخاصم على الآمال والأماني اكثر بين الناس وأقوى من التخاصم على الوقائع والأشياء ، فالتخاصم على شيء من الاشياء عداوة موقوتة ، تزال بزوال ذلك الشيء ، أو تنقضي بانقضاء الحاجة إليه . اما الخصومة الباقية التي لا تزول فهي الخصومة على الامال والمطامع ، والانانية هي المصدر الوحيد التي تأتي من النقيضين . الاول الناس يتخاصمون لانهم أنانيون ؛ والثاني يتخاصمون لانهم محبون للاخرين . اما تخاصم الاول اصحاب (الانانية ) فلا غرابة فيه ، لان الرجل الذي يحب نفسه يستأثر لها بكل منفعة ، ويجهل شعور غيره ، اما الثاني فهو الغريب ان يتخاصم الناس لانهم براء من الانانية او لانهم يحبون الخير للاخرين . ولفتة واحدة الى الحقيفة تنفي هذه الغرابة وترينا ان الخصومة من حب الخير للاخرين ،كالخصومة من حب الخير للنفس ، في القسوة والشدة والكثرة ووبال العاقبة لانها اكبر واقوى ،تنتقل بالناس من انانية آحاد الى انانية جموع وشعوب . فكم من الحروب ثارت في هذه الدنيا على ايدي المصلحين ؟ وكم من المجازر البشرية سالت فيها الدماء كالانهار لان جماعة من طلاب الخير يريدون لغيرهم الخير الذي لم يريدوه ، ويفرضون عليهم الحق الذي لم يفرضوه ؟... وهل اشد من خصومات البشر على السماء بعد الموت ؟!... وهل اعنف من نزاع البشر على رضوان الله ؟ ))... اعتقد لانهم متناسين بأن الإنسان ينتمي بأنسانيته (التي وهبها الله له والتي ميزته عن باقي المخلوقات ) الى اخيه الإنسان على اساس التكافئ مع وحدة الوجود بكل ماتحمله من عناصر الحياة المشتركة في هذا العالم الواسع ، من حرية وقوة بلا تسلط ، والتمتع بكل حقوقه الدينية والدنيوية بالتساوي وبلا تمييز ، ملتزم ومحافظ على القيم والاخلاق الانسانية بلا تعصب ، مؤمن بالحوار والتقارب وتفهم الاخربلا تجاهل او أنانيـة . بهذا يكون الانسان قد توصل الى مرحلة الأدراك بأنه جزء لايتجزء من هذا الوجود الشاسع وانه لايختلف عن اخيه الانسان بشئ مهما تنوعة عقائدهم وافكارهم ودياناتهم ولغاتهم والوانهم يبقى عنصر البشر واحد خلق من طينة واحدة والى ربٌ واحد يرفعون الصلوات ، وامام ربٌ واحد سيقفون في اليوم العظيم.


  بما ان البشر خلقوا مختلفين ( هذه حكمة الخالق ) أذن اثبت ان منطق الحوار المبني على اساس التفاهم والاتفاق هوالوسيلة الوحيدة لإزالت الخلافات والحواجز بين ابناء البشر وبناء جسور التقارب التي تسيرعليها قرارات صوت الحكمة والعقل ، في هذه الصفوة الإنسانية وعندما ينزوي صوت الباطل ويعلو صوت الحق يعم الامان والسلام لكل البشر . بما ان للاديان قوة خاصة وطبيعة خاصة ، مستمدة من الحي الازلي ، ليس فيها ما ينقض السلام ، او يلغي الاخر ، لها دور الكبير في تنظيم الحياة الدنيوية للبشر ومساعدتهم بتفتح طاقات الخير والمحبة في داخلهم ؛ والصابئة المندائيون هم شريحة من شرائح طيف الوجود وهم من اول الدعات للسلام ، يؤمنون بحقوق الاخر الدينية والدنيوية ، والدليل على هذا انهم تعايشوا ومنذو فجر التاريخ بسلام واحترام مع اقوام تخالفهم في الفكر والمعتقد والدين ولم يكن للخصام وجود بينهم . يعتبر المندائيون من سلالة المكافحين والمناظلين من اجل استمرار الحياة الصحيحة والكريمة للعنصر البشري لان تعاليهم وكتبهم الدينية تفرض عليهم السلام والمحبة والرأفة لكل المخلوقات والإنسان خاصة ، وسيبقون ينشدون للسلام ويعملون من اجله ، لانه الامل في ادامة الحياة.


  في تشرين الاول من عام 1991 انعقده مؤتمر السلام العالمي في مالطا وكان الحاظرون من بلدان عدة واديان متنوعة ولكل منها خلفية تاريخية مميزة يدفعهم حب السلام والتواصل بين جميع اطياف وامم هذه الارض ، وكان للصابئة المندائيين حظور متميز مثله فضيلة رجل الدين الروحاني الترميذا رافـد ابن الاب الروحي لكل المندائيين الشيخ عبدالله (بارك الرب في عمره) ، حيث قال بكلمته التي القاها في المؤتمر حول السلام في العالـم وهذا بعض مما نُوشر من هذه الكلة في مجلة المندائي العدد السبع التي صدرت في كندا سنة 1992~~~~~~((( لقد انسجمنا في مسيرة خير ابتدأت منذ سنين عدة بالدعاء الى الله مبارك اسمه من اجل السلام ، إننا نمثل أمام أبناء جيلنا ، وكساعين للسلام ولا نملك أية وسيلة نقهر بها احداً ، بيد اننا على ثقة ان في أعماق تعاليمنا الدينية ، ينابيع طاقة إيمان عميقة قادرة على ان تصل الى قلوب المؤمنين ، وباستطاعتها ان تمس ضمائر الكثيرين ، لان قوة الاديان الروحية تختلف كثيراً عن قوة العالم . إننا نتوجه الى الرجال والنساء وبخاصة الى من له مسؤلية حكومية ، ويتوجه نداؤنا الى الشمال والجنوب ، ثم الشرق والغرب ليقيم روابط دولية مؤسسة على الامن والعدالة، ونرغب بإلحاح في ان يقوي نداؤنا ليسمع لكي نجد حلاً للمشاكل العالقة من حروب وظلمات مستمرة ترافقها آلام كثيرة يسببها العنف والنقص في ضروريات الحياة . . لقد شهد التاريخ حروباً كثيرة اشتركت فيها مختلف الشعوب بشكل جنوني ودموي فلا نقوى اليوم ان نشعر بالطمأنينة ، ان السلام مازال همساً بعدُ، وهو ينتظر المزيد من التأصل كما ينتظر من يلتزم ببنائه في كل مكان ... نرفع صوتنا طالبين من المؤمنين كلهم ، بأن يجعلوا من ذواتهم ادوات سلام دائم وأساساً لنظام دولي ثابت وعادل . نريد ان نشهد بأن الاديان لاترغب في الحرب ، لان من ثمار الحرب ، الشر ،والفوضى ، وان نشهد ايضاً بأن الاديان لا تبرر البغض والنزاعات ، بل تعمل لإرساء السلام في صميم القلوب . إ ننا على يقين من ان حياة الإنسان لاتنتهي على الارض ، بل تكتمل في ما بعد الحياة ، لهذا فالسلام هو هبة نسألها من الله الحي الازلي تعالى الذي في يديه توجيه تاريخ البشر وقيادة قلوبهم ... إ ن السلام الذي ننشـده نتعهـد بأن نحققه وأن ننشره في الارض كلها لذا فليبطل الحرب كحل للنزاعات بين الشعوب ، وليتلاشا كل حقد وكل ضغينة بين الناس ، وليشرق دائماً موسم من السلام العميم ، ومن العدالة الحقة ، تلك هي دعواتنا ، وهذا هو رجاؤنا الذي يرتفع من جزيرة مالطا قلب البحر الابيض المتوسط الى العالم كله))) بعد كل هذا الذي ُذكِـر علينا نحنوا العراقيون الاستفادة من تجارب الحياة ونقف وقفة صادقة مع ظمائرنا وانفسنا في سبيل تحقيق الامن والسلام لبلدنا الحبيب عن طريق نبذ العنف وعدم الغاء الآخر واتخاذ الحوار سبيل لتحقيق المبادئ الإنسانية في الحرية والديمقراطية الحـقـة.